تحليلات

ثورة الشّباب.. من المسيرة الأولى إلى المبادرة (الجزء الأول) – ماجد المذحجي

الملخّص

تستكشف هذه المادّةُ البحثيّةُ المساراتِ التي مضت فيها الثّورة اليمنيّة خلال عام، منذ انطلاقها متأثّرةً بمناخ الرّبيع العربيّ، إلى حين نجاح الجوار الإقليميّ والفاعلين الدّوليّين في فرض التّسوية السّياسيّة على ثورة الشّباب اليمنيّ، عبر المبادرة الخليجيّة وآليّتها المُزمنة التي وقعها ومضى في تنفيذها تحالف اللّقاء المُشتَرك وسلطة صالح، وتتعرّف خلال ذلك؛ كيف تكيّف الشّباب اليمنيّ في فعلهم الثّوريّ مع الأطراف والقُوى الأخرى التي التحقت بالثّورة، وكيف تفاعلوا مع التّعقيدات النّاجمة عن المبادرة الخليجيّة، واستجابتهم لأدوار الأطراف الفاعلة فيها؛ مع قراءة أوليّة للعوامل الضّمنية المُحرّكة لهذه الأدوار. كما تحاول الدّراسة استكشاف بعض مسارات ثورة الشّباب اليمنيّ عَقِبَ التّوقيع على المبادرة، وبدء المسار السّياسيّ المتّصل بها، بما يستبطنه ذلك من تعقيدات وفرص.


مقدّمة

انطلقت ثورة اليمن الجديدة في أوائل عام 2011، معتمدةً على شريحة الشّباب الذين تصل نسبتهم إلى 43% من مجموع السكّان، وَفقًا للإسقاطات السّكّانيّة (الملحق)، ومُستفيدةً بشكل أساسيّ من الإلهام والزّخْم الذي أطلقه نجاح ثورتي تونس ومصر، لتطبع الرّبيع العربيّ بهُويّتها المتمايزة التي شكّلتها على مدى العام الذي استغرقته على الرّغم من كون البيئة الاجتماعيّة والسّياسيّة التي تبلورت فيها، تبدو أكثر تعقيدًا من غيرها؛ وحيث يتمظهر النّظام الذي ثار عليه اليمنيّون في مستويات متعدّدة وغير منظورة، تتجاوز مستوى القوّة العارية وأدوات القهر والقمع الذي بادرت إليه سلطة صالح لإجهاض هذه الثّورة.

لقد شكّل استغراق الثّورة زمنًا طويلًا قارب مدّة العام، عاملًا مهمًّا في تكيّفها المستمرّ في مواجهة التّحدّيات المتعدّدة، وتطوير المكوّنات الثّوريّة لأدواتهم وإمكانياتهم، إلى جوار القُوى التّقليديّة من أحزاب وقبائل وكيانات أخرى؛ أصبح بعضها طرفًا في الثّورة، بينما وقف البعض الآخر في مواجهتها، مع احتفاظ الجميع بحذرهم منها. كما شكّل هذا الأمد الزّمني فرصةً أكبر لتداخل هذه الثّورة بعمق مع المجتمع، متجاوزةً شريحة الشّباب الذين شكّلوا حاملها الأساس، بما خلّفه ذلك من تداعيات على العلاقات والتحالفات بين مراكز القُوى التّقليديّة في المجتمع التي ارتطمت بها الثّورة فجأة، وهو ما أدّى في محصلته إلى تجلّي التّعقيدات الكامنة في العلاقة بين مكوّنات السّلطة الاجتماعيّة والسّياسيّة وتداخلها، وإلى تبلور الشّباب كفاعل جديد وغير تقليديّ في قلب كلّ هذه التعقيدات، مع أنّه لم يتّضح بعد ما يدلّ على تأثيره، وما يتوفّر له من الفُرص والمواقع إلى جوار الآخرين.


تفاعلت الثّورة اليمنيّة مع تدخّلات مُختَلِفة استهدفت إعاقة تشكّل نموذج وطنيّ يمنيّ جديد، يأتي على حامل هذه الثّورة. وتأسّس انفتاح الجوار الإقليميّ على ما يحدث في اليمن تحت عنوان المبادرة الخليجيّة، استجابةً لاحتمالات متعدّدة، منها: تفتّت الدّولة وانهيارها تحت وطأة الانقسام العسكريّ في المؤسّسة العسكريّة، وما قد يؤدّي إليه ذلك من مشكلات لا حصر لها بالنّسبة للخليج والعالم. علاوةً على المخاوف السّعوديّة تحديدًا؛ من تحرير المجال السّياسيّ اليمنيّ من سيطرتها، وهي التي استثمرت طويلًا في النّظام السّياسيّ القائم، وفي مراكز قُوىً قبليّةٍ وسياسيّةٍ متعدّدة، لضمان استمرار مستوى ثابت من الولاء لها.

تحاول –إذن- هذه الورقة؛ التعرف على المسارات المتعدّدة التي سلكتها الثّورة اليمنيّة خلال عام تقريبًا، مع التّركيز على كيفيّة تطوّر التّجربة الثّوريّة والسّياسيّة للشّباب اليمنيّ، وطبيعة استجابتهم للتحدّيات التي واجهتها ثورتهم، والتّحولات التي مرت بها، من خلال النّظر القريب في أحداث مركزيّة تفاعلوا فيها مع الكثير من المتغيّرات السّياسيّة ذات الأبعاد الدّاخليّة والخارجيّة، مع تَحسُّسِ المآلات التي قد تصير إليها الثّورة، عَقِبَ تسارع العمليّة السّياسيّة التي أتت على خلفيّة المبادرة الخليجيّة.


 

الخريطة السّياسيّة للثّورة خلال عام

تبلورت الفعاليّة السّياسيّة للقوى الشّبابية النّاشطة في ساحات التّغيير والحرّيّة في اليمن، عبر أكثر من إطار تنظيميّ ثوريّ ضمن الهدف المركزيّ الجامع والقائل بإسقاط النّظام، هذه الأشكال التّنظيميّة من التّبلور السّياسيّ للشّباب، لم تأخذ هُويّتها النّهائيّة إلّا بشكلٍ متأخّر نسبيًّا، على بدء المسار الاحتجاجيّ الذي انطلق في 15 يناير 2010، بالتّزامن مع انتصار الثّورة التّونسيّة، وبدء تجربة ميدان التّحرير في القاهرة في 25 كانون الثاني/ يناير 2010، حيث اتّسم الحضور اليوميّ للشّباب اليمنيّ في الثّورة، بمزاجٍ مُندفعٍ يُعرّف نفسه بالتّناقض الكُلّيّ مع النّظام، ضمن شعار "الشّعب يريد إسقاط النّظام"، من دون أن يعتني الشّباب بتعريف أو تأطير أنفسهم بشكل محدّد في إطار هذا التّناقض؛ واتّسم الشّهر الأوّل -شهر شباط/ فبراير- من المسار الثّوريّ، بحماسة متصاعدة بشدّة تغذّت على النّجاح الملهم للثّورة المصريّة وانتصارها الحاسم في 11 شباط/ فبراير، حيث خرج حينها آلاف الشّباب المُتحمّسين في مدينة "تَعِز" جنوب وسط اليمن، وقاموا بأوّل اعتصام في حينه، وتأسيس أوّل ساحة ثوريّة في اليمن، والتي عُرفت لاحقًا بساحة الحرّيّة في تَعِز([1])، وشارك الشّباب في مدينة عَدَن جنوب اليمن، في الزّخْم الثّوريّ، وشهدت مظاهراتٍ عدّةً، ليسقط فيها أوّل شهيد في الثّورة (محمد العلواني)([2]).


وكان من اللافت؛ أن القوى الشّبابيّة المحسوبة على أحزاب اللّقاء المُشتَرك، وهي الأكثر تنظيمًا وفعاليّةً، لم تُنظّم بشكلٍ كُلّي إلى الحركة الاحتجاجيّة والتّظاهرات التي كانت تخرج في صنعاء وتَعِز وعَدَن، وهو ما أفصح عن عدم تبلور موقف حاسم لدى الأحزاب تُجاه الحركة الاحتجاجيّة حينها، والتي اكتفت بتنظيم مسيرة جماهيريّة كبيرة بتاريخ 3 فبراير، في قلب العاصمة صنعاء، حاولت عبرها استثمار هذا الزّخْم الذي بدأ في التّصاعد، وتوظيفه للضّغط على النّظام، للحصول على تنازلات سياسيّة أكبر منه. وتميّز الحضور الشّبابي في تلك المرحلة المبكّرة والحاسمة من الثّورة اليمنيّة، بغلبة المستقلّين الذين أتوا من خارج حقل السّياسة في معظمهم، وهكذا فإنّ "الأمر اللافت أكثر من غيره، كون هذه الاحتجاجات تقودها وتنظّمها مجموعة جديدة من الشّباب وناشطي المجتمع المدنيّ، الذين يعملون بشكل مستقلٍّ عن الأحزاب السّياسيّة الرّسميّة"([3]).


عَقِبَ مسيرة 3 شباط/ فبراير، تشكّلت أوّل نواة لساحة التّغيير في صنعاء من شباب وطلاب جامعيّين، رفضوا الانسحاب عَقِبَ انفضاض المسيرة مقابل بوّابة جامعة صنعاء، ودعوة أحد قادة المُشتَرك للمشاركين في المسيرة للعودة إلى منازلهم، قائلًا: "انصرفوا راشدين"، وما لبِث إلّا وأن قامت قوّات الأمن في المساء بفض الاعتصام. وكان هؤلاء الشّباب ذاتُهم، الذين تصدّروا واجهة المسيرات اليوميّة التي انطلقت منذ أوّل اعتصامٍ نُفّذ أمام السّفارة التّونسيّة في صنعاء، عَقِبَ انتصار الثّورة التّونسيّة، وكان يتمّ تفريقهم بالقوّة من أجهزة الأمن في شوارع صنعاء.


لم يستغرق تشكّل ساحة التّغيير في صنعاء عَقِبَ ساحة الحرّيّة في تَعِز إلّا أيّامًا قليلة. وتشكّل التّصعيد الاحتجاجيّ الذي انتهى بتشكّل السّاحة يوم 12 شباط/ فبراير، على خلفيّة مواجهات متعدّدة بين مجموعة من الشّباب الجامعيّين، يشاركهم ناشطون مستقلون، مثل: أحمد سيف، وتوكّل كرمان، وآخرين؛ كانوا يتجمّعون يوميًّا أمام بوّابة جامعة صنعاء الجديدة، في دوّار "الحكمة يمانيّة"، وما يلبثون أن ينطلقوا في مسيرات صاخبة ومُتحدّية، على امتداد الشّارع الدّائريّ في قلب صنعاء الذي يضمّ على جانبيه معظم كلّيّات الجامعة، متعرّضين خلال ذلك لاعتداءات متكررة، وعمليّات اعتقالٍ من قوّات الأمن([4]).


لقد شكّل تدشين فعل الاعتصام المستمرّ في السّاحات، النّواة الأوّلى لتشكّل التّنظيمات الثّوريّة الأولى، ومواجهة الأسئلة الكثيرة التي تطرح على مستقبل الحركة الاحتجاجيّة للشّباب، حيث كان عليهم البدء بالتّفكير في: ماذا يريدون وماذا يفعلون؟ وكانت مستويات النّقاشات الأولى متمحورةً حول أهداف الثّورة بشكل أساسيّ. وأفرزت تلك النقاشات أوّل مستويات التّبلور التّنظيميّ بين المجموعات الشّبابيّة، على قاعدة اتفاق كلّ مجموعة على الأهداف الثّوريّة، وكان أن نشأت الائتلافات في السّاحة بشكل كثيف، قبل أن تبدأ بعض الائتلافات التي تضمّ مجموعات صغيرة في التّجمّع مع بعضها ضمن أطر تنظيميّة أوسع؛ وكان في الصدارة عددٌ من تلك الائتلافات الكبرى مثل: "تنوّع" و"المنسقيّة العليا لشباب الثّورة" و"التّحالف المدنيّ" و"اللّجنة التّحضيريّة لشباب الثّورة" و"شباب الصّمود"، علاوة على "اللّجنة التّنظيميّة" التي شُكّلت بقرار سياسيّ من أحزاب اللّقاء المُشتَرك؛ وضمّت في عضويّتها مُمثّلين من الشّباب، ينتسبون إلى أحزاب اللّقاء المُشتَرك؛ بالإضافة إلى بعض الفاعلين المستقلّين الذين حضروا في الواجهة الاحتجاجيّة الشّبابية منذ البداية، مثل: البرلمانيّ المستقل أحمد سيف حاشد، والصّحفيّة والنّاشطة توكّل كرمان، والإعلامية سامية الأغبري وآخرين. وشكّلت اللّجنة التّنظيميّة الفاعل الأساسيّ في إدارة ساحة التّغيير في صنعاء، والمُحرّك لقرار المسيرات الاحتجاجيّة في مواجهة النّظام.


أفصحت سيطرة اللّجنة التّنظيميّة عن ثقل الحضور الحزبيّ في الحركة الثّوريّة، واستيلائه على الموقع المركزيّ في قرارات الثّورة، وهو أمر تغذّى على الإمكانيّات التّنظيميّة والموارد الكبيرة التي تملكها التّنظيمات السّياسيّة، وعلى الرّغم من وجود الاستياء تُجاه السّيطرة الحزبيّة، ونشوء صدامات محدودة بين المستقلّين والحزبيّين في السّاحات، وانسحاب بعض المستقلّين من عضويّة اللّجنة التّنظيميّة عَقِبَ فترة قصيرة من تشكيلها، مثل: أحمد سيف حاشد، وعبدالباري طاهر([5])، إلّا أنّ التّوازن كان يميل إلى مصلحة الحزبيّين، مُرجّحًا في النّهاية كِفّة الفاعل السّياسيّ الضّمنيّ المسيطر والمُتمثّل في اللّقاء المُشتَرك الذي أدار المواجهة السّياسيّة مع النّظام على خلفيّة هذه السّيطرة، بحسبانها تُرجّح أوراقه التّفاوضيّة أمام الوسطاء الإقليميّين والدّوليّين، وبالأخصّ الولايات المتّحدة والسّعوديّة.


"وحدثت الدَّفعَةُ الأكبر من الانضمام للثّورة ومطالبها، بعد المجزرة التي تمّت في حقِّ المحتجّين في ساحة "التّغيير" يومَ الجمعة الموافق الثّامن عشر من آذار/ مارس 2011، وسقط ضحيّتها ما يزيد عن الـ50 قتيلًا"([6]). لقد ساهمت مذبحة جمعة الكرامة في تَعِزيز الحركة الثّوريّة، وأضعفت بنية النّظام بشكل خطير، وشكّلت تداعياتها أبرز تحوّل في الثّورة بعد مضي 3 أشهر على اندلاعها. كما شكّل الانشقاق الأبرز في الجيش، والذي قاده اللّواء علي محسن قائد الفرقة الأوّلى المدرّعة وإعلانه "الحماية والانضمام السّلميّ"([7]) إلى الثّورة الشّعبيّة، ثِقلًا سياسيًّا كبيرًا أضيف للقُوى الموجودة في الثّورة. هذا؛ وقد انضمّ إلى الثّورة كلٌّ من قائد المنطقة العسكريّة الشّرقية اللّواء محمد علي محسن، وقائد المنطقة العسكريّة المركزيّة اللّواء سيف البقري، والعميد حميد القشيبي قائد اللّواء 310 في محافظة عمران. وانشقّ عن النّظام عدد من القادة العسكريّين المُهمّين، مثل: قائد القاعدة الجويّة في اللّواء 67 بمحافظة الحديدة، العميد الرّكن أحمد السنحانيّ، وهو أوّل انشقاقٍ في القوّات الجويّة اليمنيّة([8])، وهو أمرٌ أثار تباينات كثيرة في أوساط الحركة الشّبابية الثّوريّة التي رأت فيه -مع بعض الأطراف- عسكرةً للثّورة وحرفًا لطابعها السّلمي، حيث يتخوّف بعض شباب الثّورة من أنّ انحياز علي محسن لها سوف يمسّ بمدنيّتها، ويؤدّي إلى اختطافها من العسكريّين. هذا؛ عدا عن كون محسن أحدَ رموز المرحلة السّابقة([9])، بينما رأت فيه مجموعات أخرى حماية للثّورة من القتل الذي يتعرّض له شباب الثّورة؛ حيث إنّ الحلّ الوحيد لحماية الثّورة من عنف الجيش والأجهزة الموالية، يكمن في انضمام جزءٍ من الجيش([10])؛ وهو انقسام مهمّ ومساهم في إضعاف النّظام بشكل رئيسيّ.


من جهة أخرى؛ أعلن السّيّد عبدالملك الحُوثِيّ، زعيم جماعة الحُوثِيّين في صعدة شمال اليمن، انضمام الحُوثِيّين إلى الحركة الثّوريّة الشعبيّة السّلميّة، ضمن هدفها المركزيّ القائل بإسقاط النّظام، والمشاركة بشكل سلميّ في الفعاليّة الثّوريّة([11])، وهو الأمر الذي يعد تحوّلًا لافتًا في حركة سياسيّة لجأت باستمرار إلى السّلاح في مواجهة حكم الرّئيس صالح، على مدى أكثر من 6 حروب في شمال اليمن.


احتلّت مدينة عَدَن موقعًا مركزيًّا في الفعاليّة الثّوريّة المتصاعدة منذ البداية، والمناهضة لصالح ونظامه. وشهدت المدينة مظاهرات كبيرة ومتعدّدة، سقط فيها جرحى وقتلى نتيجة القمع الأمنيّ، الأمر الذي جعلها تنتزع صدارة المدن اليمنيّة في تقديم أوّل شهداء الثّورة؛ وكان لافتًا -في بداية الأمر- صمت قوى الحَرَاك الجنوبيّ السّلميّ تُجاه الحركة الاحتجاجيّة التي كانت تتصاعد بشكل متسارع، متحوّلةً إلى ثورةٍ على نظام صالح؛ واكتفت بتصدير مواقف داعمة وخجولة لما يحدث، وبدا الأمر يفصح أنّ هناك خشية لدى بعض قوى الحَرَاك، من أن تشوّش الثّورة السّلميّة الموقف من المطالب الجنوبيّة، حيث يقامر بعض الحَرَاكيّين بـ"القضيّة الجنوبيّة"؛ إذ يضعونها في مواجهة مطالبتهم بإسقاط النّظام؛ في لحظة وطنيّة فريدة وغير مسبوقة([12])، وهو الأمر الذي تطوّر في وقت لاحق من الثّورة، إلى ما هو أشبه بالانقسام تُجاه الثّورة من بعض مكوّنات الحَرَاك الجنوبيّ؛ حيث أفصح الفريق الذي يقوده الرئيس الجنوبيّ السّابق علي سالم البيض، أنّ الثّورة في شمال اليمن لا تعنيهم، وأنّ الحَرَاك ملتزم تُجاه مطالبه في فك الارتباط مع الشّمال، وأنّه "لا للالتفاف على ثورة شعب الجنوب، ولا لأنصاف الحلول، ولا للفدرالية، ولا لطمس دولة الجنوب"([13]). بينما عبّر فريقٌ يقوده الرّئيس الجنوبيّ السّابق علي ناصر محمد ورئيس حكومة أوّل وزارة في دولة الوحدة: حيدر أبوبكر العطاس، عن دعمه للثّورة الشّعبيّة، بوصفها امتدادًا للحَرَاك الاحتجاجيّ السّلميّ الذي دشّنه الجنوبيّون في أوقات سابقة.


لقد شكل التمسك بالسلمية وانتهاج أدوات غير عنفية، ومُفارقة نسق التسويات والمحاصصة المهيمن على فضاء السياسة اليمنية، الملمح الأبرز للشباب اليمني طوال عام، وسط تعقيدات الخارطة السياسية اليمنية.


لقد أربك دخولهم السياسة بشكل عاصف منطق السياسة التقليدي المتماسك في اليمن، وهيمنة أدوات الاستقطاب والحشد الميدانية غير التقليدية التي لجأوا إليها على مزاج وعاطفة جزء كبير من الشارع اليمني، وعلى دينامكية الحركة الثورية، ليشكلوا تهديداً خطيراً للتوافقات المستقرة في وعي السياسيين اليمنيين التقليديين باعتبارها الوسيلة الأكثر أماناً للحفاظ على اليمن من الاحتراب الأهلي أو أي نزاع مدمر في حالة الدخول بمواجهة مع سلطة صالح، كما استطاعوا زحزحة قناعة الكثير من اليمنيين بوجود مراكز قوى أبدية مهيمنة على صنع الحدث السياسي وإحداث أي تغيير فيه، وعلى مدى الشهرين الأولين من الثورة شكلوا القوة السياسية الأولى التي تقرر مسار الأحداث، قبل أن تبدأ تداعيات جمعة الكرامة في 18 مارس 2011، بتغيير مسار الأحداث، وتنزل الأحزاب بكامل ثقلها لفرض خياراتها، وضبط مسار الحركة الثورية بما لا يهدد مصالح الكثير من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المتداخلة في اليمن.


 


  • ورقة عمل بحثية محكّمة بعنوان "ثورة الشباب.. محدداتها وآفاقها المستقبلية" قدمت إلى ندوة الثورة اليمنية، الخلفية التاريخية.. الخصوصية، الآفاق، التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – الدوحة/ 18-19 فبراير 2012.




[1] اتّصال هاتفي مع أحد الشّباب المشاركين في إقامة ساحة الحرّيّة في تَعِز، 12/1/2012.

[2] "قائمة شهداء الثّورة الشّعبيّة السّلميّة في اليمن"، تقرير حقوقيّ صادر عن منتدى الشّقائق العربيّ لحقوق الإنسان، صنعاء: 2011.

[3] "اليمن بين الثّورة والإصلاح"، تقرير مجموعة الأزمات الدّوليّة رقم 102 عن الشرق الأوسط/ شمال أفريقيا، 10 آذار/ مارس 2011.

[4] لقاءات مع عدد من المشاركين في الاحتجاجات الأولى التي أفضت إلى تأسيس ساحة التّغيير في صنعاء، 13-14/1/2012.

[5] بيان صادر عن عدد من أعضاء اللّجنة التّنظيميّة، أعلنوا فيه استقالتهم من عضوية اللّجنة.

[6] "الجيش والثّورة الشّعبيّة في اليمن"، وحدة تحليل السّياسات في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات، 2011/03/31:

 http://www.dohainstitute.org/Home/Details?entityID=5d045bf3-2df9-46cf-90a0-d92cbb5dd3e4&resourceId=2fbc8061-7206-4f8b-af70-896c8142d620 .

[7] بيان صادر عن اللّواء علي محسن الأحمر، صنعاء، 23/3/2011.

[8] "الجيش والثّورة الشّعبيّة في اليمن"، مصدر سبق ذكره.                                                                        

[9] المصدر نفسه.

[10] المصدر نفسه.

[11] "السّيّد عبدالملك في ذكرى المولد النبويّ: نحن في طليعة شعبنا حاضرون للقيام بدورنا"، موقع أنصار الله، 17/2/2011:

 http://www.ansaruallah.net/ar/index.php/reports/226-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83-%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%84%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A(%D9%86%D8%AD%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%86%D8%A7-%D8%AD%D8%A7%D8%B6%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%84%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%86%D8%A7).html

[12] "الحَرَاك الجنوبيّ أمام تحدٍّ وجوديٍّ جرّاء ثورة الشّباب"، صحيفة النداء، 7/3/2011:

http://www.alnedaa.net/index.php?action=showNews&id=4017 .

[13] لقاء مع الرئيس علي سالم البيض في قناة الحرة الفضائية، 30/3/2011: http://www.youtube.com/watch?v=9l33YT98pYE


المصدر: صحيفة الأولى 


زر الذهاب إلى الأعلى